ليس أفضل
ولا أروع ولا أنفع من اتباع الهدي النبوي في تربية الابناء وتعليمهم، ومنه سرد القصص
الهادفة وتوجيه الأولاد نحو استخلاص الفوائد منها.
فقد بعث الله نبينا الكريم صلوات ربي وسالمه عليه رحمة للعالمين، ومعلما
للأولين والآخرين، وأخبرنا سبحانه وتعالى أنه قد من علينا باكتمال الدين وتمام
النعمة.
لذلك لن تجد أمرا من أمور الدنيا والآخرة إلا وقد ورد في هدي المصطفى
صلى الله عليه وسلم سواء بقول أو فعل أو تقرير.
وفي السطور المقبلة نستعرض قصة بسيطة اتبع فيها أبوين منهج التربية على الطريقة المحمدية العظيمة لتقويم طفلهما وتعليمه، يمكنك الاستعانة بها وقصها على أبنائك لتعليمهم هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم في كيفية مواجهة المواقف الصعبة و السيطرة على الغضب.
الهدي النبوي في التربية والتعليم
مروان طفل مهذب في الثامنة من عمره، أنهى بالكاد عامه الدراسي الثاني بالمرحلة الابتدائية، نشأ وسط عائلة كريمة، متدينة، ميسورة الحال.
كعادتها كل يوم، دخلت الأم على ولدها لتوقظه لصلاة الفجر.
الأم : مروان، هيا استيقظ يا ولدي ، قم لتتوضأ ثم تذهب إلى المسجد مع والدك لأداء صلاة الفجر .
مروان: أنا مستيقظ يا أماه وسأنهض حالا للوضوء.
توضأ مروان وارتدى ملابسه الصلاة وخرج إلى المسجد بصحبة أبيه، وعندما عاد الصبي من الصالة ، ناولته أمه حقيبة صغيرة وطلبت منه أن يتفقد ما بها.
فتح مروان الحقيبة ليجد فيها ملابس جديدة للبحر والسباحة بعض الألعاب المائية، فعرف على الفور أنه حان موعد الرحلة الموعودة ، فقد اعتاد أبواه على اصطحابه إلى الشاطيء مع بداية الإجازة الصيفية كل عام، تهلل وجهه اوأخذ يقبل يدي والديه ويشكرهما.
وخلال دقائق استقلت الأسرة الصغيرة السيارة الخاصة بهم التي قادها الوالد، وبدأت الأم تذكر الجميع بدعاء الركوب ، وطلبت من مروان ترديده وبالفعل ردد الصبي الدعاء ومن بعده الوالدين:
"بسم الله، والحمد لله، سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون، الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، سبحانك اللهم إني ظلمت نفسي فاغفر لي؛ فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت"
رواه أبو داود، ٣ /٣٤ ،برقم ٢٦٠٢ ،والترمذي.
ثم اتخذ الوالد طريقه نحو شاطئ البحر، ووصلت الأسرة إلى الشاطئ المقصود، حيث طلب الوالد منهم النزول من السيرة لتركها في المكان المخصص .
دخل الجميع إلى المنتجع الساحلي متجهين إلى الشاطئ حيث الأماكن المخصصة للزائرين.
مروان: يا له من مكان رائع، زرقة البحر وصفائه، تقابلها نفس الزرقة في
السماء، والزرع الأخضر والأزهار الجميلة تزين المكان، الله.. الله.. تبارك الله أحسن الخالقين.
قصة مروان وهارون
قال الأب، موجها حديثه
لمروان: سنجلس هنا قليلا نستمتع بالمنظر الخلاب وتناول وجبة الإفطار ثم ننطلق للسباحة
معا مروان: لست جائعا يا أبي.
الأم: لا يمكن أن تبدا باللعب
قبل أن تتناول شيئا من الطعام .
مروان: حاضر يا أمي.
الأب: سأطلب من المسئول عن إحضار الطلبات أن يأتي لنا بالفطور حالا،
بإمكانك الذهاب لغرفة تبديل الملابس وارتداء بدلة البحر الجديدة وبالفعل، نفذ
مروان اقتراح والده بكل سرور فيما نادى الأب على الصبي الذي يعمل بالمكان.
الأب: كيف حالك يا بني.. هلا
تشرفت باسمك؟
الصبي: اسمي هارون يا سيدي.
الأب: بإمكانك أن تنادين
"عمي"، هل تدرس يا هارون؟
هارون: نعم يا عماه، الحمد لله نجحت في الثاني الإعدادي ، أعمل فقط في
الإجازة الصيفية لتوفير بعض احتياجاتي ورفع جزء من العبء عن والدي.
الأب: ما شاء الله، بارك الله
فيك ووفقك ولدي، ثم طلب منه عصير البرتقال الطازج الذي يحبه مروان وبعض الشطائر
والخضروات.
وبعد وقت قليل أحضر الصبي كافة الطلبات، ثم بدأ في وضعها أمامهم تباعا.
وعندما هم بوضع كأس عصير البرتقال أمام مروان اهتزت يده وسقطت بعض قطرات البرتقال على ملابس مروان الجديدة وهنا ارتفع صوت مروان وانهال بعبارات التوبيخ الاذعة على الصبي الذي لم يمتلك سوى الاعتذار والوعد بإصلاح ما كان فورا .
غير
ان مروان لم يتوقف عن توبيخه ودفعه بيده وطرده قائلا: "اغرب عن
وجهي أيها الغبي" ، وبالفعل ركض الفتى لإحضار
منشفة للتنظيف.
وهنا تدحل الأب غاضبا، ووجه الحديث لولده: تصرفك تجاه الصبي مرفوض تماما، وعليك الاعتذار منه عندما يعود.
مروان: لقد اخطأ وسكب العصير على ملابسي الجديدة، وكان لابد من توبيخه.
الأب: يا ولدي، هل تظن نفسك خير من نبيك؟
مروان : حاشا لله يا ابي، فنبينا صلى الله عليه وسلم خير البشر أجمعين.
الأب: إذن عليك الاقتداء به ومعرفة كيف كان يعامل من يخدمه.
التربية المحمدية في معاملة الخدم
تدخلت الأم وبدأت بتوجيه الصبي، قائلة، كان نبينا صلّى الله عليه وسلّم هينا لينا، رفيقا مع
الخدم في حال وقوع خطأ منهم ، وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الإساءة
إليهم، كما أنه لم يضرب خادما له قط ولم يسبّهم على الإطلاق ولم يعبس في وجوههم
أبدا.
وهنا، التقط الأب طرف الحديث من الألم قائلا، هل تعرف يا مروان، ماذا
قال أنس بن مالك رضي الله عنه في هذا الأمر، وقد كان يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
مروان: ماذا قال يا أبيتي
الأب: قال أنس بن مالك -رضي الله عنه- " خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لي أف، ولا لم صنعت، ولا ألا صنعت."
كما ورد في ذلك حديث عن عائشة -رضى الله عنها- قالت: "ما ضرب رسول الله ﷺ شيئاً قطُّ
بيده، ولا امرأةً، ولا خادماً، إلا أن يجاهد في سبيل الله"
وتكمل الأم، كان النبي الكريم صلوات ربي وسلامه عليه يرفع من
معنوياتهم الخدم ويحدثهم بأطيب الحديث ويطلق عليهم كنى وتسميات جميلة.
وصايا نبوية لعلاج الغضب
مروان: لقد أدركت خطأي بحق هارون، لكن عذري انني غضبت جدا عندما اتسخت
ملابسي الجديدة ولم أستطع أن اتمالك نفسي.
الأم: وهذا يا بني خطأك الأكبر، إن الاندفاع وراء الغضب آفة كبرى،
وعلامة ضعف.
مروان: لم أفهم، كيف تكون علامة ضعف يا أمي.
الأم: نعم يا ولدي، إن القوة
الحقيقية تكون بالسيطرة على الغضب وليس بالاندفاع، هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه
وسلم .
وقد جاء في الحديث الشريف عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليس الشديد بِالصُّرَعَةِ ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" ) رواه البخاري .
كما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه
وسلم: "أوصني، قال: لا تغضب، فردد مرارا، فكررها النبي، لا تغضب.
وهنا أدرك مروان ما تقصده والدته، وسأل والدته، أن تدله على شيء يفعله يمنعه من الخطأ إذا غضب
فقالت الأم: روى عن ابن مسعود رضي الله، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "لو يقول أحدكم إذا غضب أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ذهب عنه غضبه".
وعن أبي ذر رضي الله عنه، قال رسول الله لنا: "إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب، وإلا فليضطجع".
وورد عن النبي الكريم قوله: "إذا غضب أحدكم فليسكت"
ومن العلاجات التي قدمها النبي للغضب أيضا، الوضوء، حيث قال صلى الله عليه وسلم: "إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من النار وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ"
مروان: إذن، عند الغضب، أسكت ثم استعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وأغير من وضعي، واتوضأ.
الأم: نعم يا ولدي
عاد هارون
حاملا منشفة نظيفة وبعض الماء.
هارون: اسمح لي أن أنظف الثوب.
مروان: بل اسمح لي أنت أن
اعتذر منك عن تلك العبارات السخيفة التي قلتها، أرجو أن تسامحني وتقبل اعتذاري. هارون: جزاك هللا خيرا، فقد طيبت خاطري وجبرته .
مروان، يخرج من حقيبته بعض قطع الحلوى ويصمم على إعطائها لـ هارون، الذي
يقبلها منه ويشكره بحرارة ثم ينصرف لمواصلة عمله.
الأب: أحسنت يا مروان.
مروان : ما أعظم نبينا صلوات الله
وسلامه عليه، كم أحبه يا ابي.
الأب: نعم يا ولدي، هو صفي الله
من خلقه وحبيبه، ومحبتك له تكون باتباع هديه والسير على منهاجه.
مروان: اللهم صل وسلم وبارك على نبينا ومعلمنا.



تعليقات
إرسال تعليق
اكتب لنا في التعليقات عن رأيك في الموضوع